موعظةٌ من شيخِنا أَدرِيَان جُوَانَان رَادِين قبلَ رجوعِ الطلبةِ سنة 1444 هـ

الحمدُ للهِ ربِّ العالمِينَ ، والصّلاةُ والسّلامُ علَى أشرَفِ المرسَلِينَ ، سيِّدِنا ومولَانا محمَّدٍ ، وعلَى آلِهِ وصحْبِهِ أجمَعِينَ ، أمَّا بعدُ :

فقَدْ قالَ اللهُ تعالَى في القرآنِ الكريمِ ، بعدَ العِياذِ باللهِ مِن الشّيطانِ الرّجيمِ ، بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ : « وَالَّذِينَ جَـٰهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ » .

وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ : « كُلُّ أمّتِي يدخُلُونَ الجَنّةَ إلّا مَنْ أبَى » ، قيلَ : ومَنْ يأبَى يا رسولَ اللهِ ؟ قالَ : « مَنْ أطاعَنِي دخَلَ الجنّةَ ، ومن عصَانِي فقَدْ أبَى » . أوْ كمَا قالَ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ .

[ المحافظة على آداب السفر ]

أيُّها الطّلَبةُ الأَعِزَّاءُ ، أعَزَّنَا اللهُ وإيَّاكُمْ

لقدْ حانَ لكم وقتُ الإجازةِ ، وكثُرَ منكمْ مَن يرجعُ إلى قريتِهِ وبِلادِهِ ، راكبًا السَّيّارةَ أو الحافلةَ أو القِطارَ أو الطّائرةَ وغيرَ ذلكَ ؛ فَفِي السّفَرِ آدابٌ كثيرةٌ يَنبغي علينا المعرفةُ والعملُ بها والحِرْصُ عليها ، فهذا أمرٌ مُهِمٌّ .

فمِنْ آدابِ السّفرِ : قراءةُ دعاءِ السّفرِ الذي علَّمَنَاهُ سيّدُنا رسولُ اللهِ ﷺ ، وهو :

« اللَّهمَّ إنَّا نسألُكَ في سفرِنَا هذا البِرَّ التّقوَى ومِنَ العملِ ما ترْضَى . اللَّهمَّ هوِّنْ علينا سفرَنَا هذا وَاطْوِ عنَّا بُعْدَهُ . اللَّهمَّ أنتَ الصّاحبُ في السّفرِ والخليفةُ في الأهلِ . اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِنْ وَعْثَاءِ السّفرِ وكَآبَةِ المَنظَرِ وسُوءِ المُنقلَبِ في المالِ والأهلِ والولَدِ ، وأعوذُ بكَ مِنَ الهَوْرِ بعدَ الكَوْرِ ، وأعوذُ بِكَ مِنْ دَعْوةِ المظلومِ » .

فمَنْ دعَا بهِ في سفرِهِ . .  حَفِظَه اللهُ عزَّ وجلَّ مِن سوءِ المُنقلَبِ (أي الأحوالِ) . وصورةُ ذلك : أن يحمِلَ الطّالبُ ثلاثةَ صَنادِيقَ مِن بَضايعِه ، ويفرحَ في ذهنِه ما يَلقِيهِ في العُطْلةِ . ثُمَّ يركبُ الحافلةَ مِن المعهدِ إلى بيتِهِ ، ثمَّ يَنزِلُ ، فيَنْسَى صُندوقًا واحدًا متروكًا في الحافلةِ ، فيحزَنُ . فهذا سوءُ المنقلَبِ نعوذُ بهِ تعالَى منهُ .

[ كل شيء بمشيئة الله ]

أيُّها الطّلَبةُ الأَعِزّاءُ ، أعَزَّنا اللهُ وإيَّاكُمْ

يقولُ اللهُ تعالَى في كتابِهِ الكريمِ : « وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ اللهُ » ، قالَ بعضُهمْ فِي تفسيرِ هذِهِ الآيةِ : « إنَّ مَشِيئةَ العبدِ ليسَتْ بِمُستَقِلَّةٍ في حُصولِ العملِ ، وإنّما يُوجَدُ بمَشِيئةِ اللهِ » . فنَتيقَّنُ أنَّ رجوعَنا إلى بيوتِنا لَا يحصُلُ بإرادَتِنَا نحنُ ، وإنّما يحصُل بقدَرِ الله عزَّ وجلَّ .

[ وَصِيَّتانِ للطّلَبةِ ]

أيُّها الطّلَبةُ الأَعِزّاءُ ، أعَزَّنا اللهُ وإيَّاكمْ

نُوصِيكم قبْلَ رُجوعِكُمْ بِأَمرَينِ ، فاهْتَمُّوا بهما :

الأوَّلُ : الاستقامةُ . أتدرُونَ ما الِاستِقامةُ ؟ هِيَ :

(1) المُحافَظةُ على الحُدودِ ، وهِي أن نُقِيمَ على هذِهِ الشّريعةِ الغَرّاءِ ولا نُجاوِزَهَا ، قال تعالى : « وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَـٰٓئِكَ هُمُ الظَّـٰلِمُونَ » .

(2) والشّكرُ على الموجودِ ، وهو أنْ نشكرَ اللهَ على ما أعْطَانَا مِن نِعَمِهِ .

(3) والصّبرُ على المقصودِ ، وهو أنْ نصبِرَ على طاعةِ اللهِ وعبادتِهِ ، قالَ تعالَى : « وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ » ، فالعبادةُ قصدُ حياتِنا الدّنيَا ، وأنْ نصبرَ على حِفظِ القرآنِ الكريمِ ومُراجَعتِهِ ، فذلك قصْدُنَا وهدْفُنَا في هذا المعهدِ .

الثّاني : المُقابَلةُ بينَ العقلِ والنّفْسِ . فإذا غلَبَ عقلُه نفسَه فهو عاقِلٌ . ومِن صُوَرِ ذلك : أن تَشتهيَ نفسُنا النومَ بعدَ الفجرِ ، وأبى عقلُنَا وقال أنّ البرَكةَ لأمَّةِ محمَّدٍ ﷺ في بُكورِهَا (ولِذَا كرَهَهُ بعضُ العلماءِ) ، فإذَا غلَبَ العقلُ الشهوةَ فهو عاقِلٌ صحيحٌ .

[ عبرةٌ مِن قصّةِ أصحابِ الكهفِ ]

أيُّها الطّلَبةُ الأَعِزّاءُ ، أعَزَّنا اللهُ وإيَّاكمْ

ذكَرَ المَولَى جلَّ وعَلَا سبعةَ فِتْيةٍ مِن أصحابِ الكهفِ يحفظُونَ إيمانَهمْ من مَلِكٍ ظَالِمٍ ، فَبِهِمْ نَعتبِرُ عِبْرةً نفيسةً منها :

العِبْرةُ الأُولَى : قولُه تعالَى « إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَـٰهُمْ هُدًى » ، نَوْعَانِ :

(1) الصّبرُ على الهُدَى ، وهو أنْ نُحافِظَ على دعوَةِ النّاسِ إلى هِدايةِ اللهِ تعالَى .

(2) والصّبرُ على العلمِ ، وهو أن نَزُورَ العلماءَ ونأخذَ منهُم العلومَ ، وأَنْ نحفَظَ القرآنَ الكريمَ ونصبرَ على مراجعتِهِ ، وأن نَتخَلَّقَ بأخلاقِ أهلِ العلمِ ؛ فلَا نَتزيَّنَ بتَزَيُّنِ الكافرينَ والفاسقينَ.

العِبْرةُ الثّانيةُ : قولُه تعالَى « وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ » ، نَوعانِ :

(1) عُزْلةٌ مادِيَةٌ ، وهي أنْ لا نذهبَ إلى مكانٍ يُعصَى اللهُ فيهِ .

(2) عُزْلةٌ معْنويَّةٌ ، وهي أن لا نُفكِّرَ ما لا يعنِي ، وأن لا نعيشَ في يومٍ إلَّا ونحن فيه خيرٌ مِن أمسِ ، وأن ندعُوَ النّاسَ إلى اللهِ في كُلِّ يومٍ حتَّى وإنْ كُنَّا في التِّجارةِ في الدُّكّانِ وغيرِ ذلك .

العِبْرةُ الثّالثةُ : قولُه تعالى « فَابْعَثُوا بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِٓ إِلَى الْمَدِينَةِ » ، نَوْعانِ :

(1) قالُ العلماءُ أنَّ فيهِ صفةَ الورَعِ ، وهو : الِابتِعادُ عن الحَرامِ أو الشُّبْهةِ .

(2) وصفةَ العِفَّةِ ، وهي أن لا نرجُوَ إلَّا اللهَ ، وأن لا نَكذِبَ الوالِدَينِ سؤالًا فوقَ الحاجةِ .

فبِهاتَيْنِ الصِّفتَينِ نجِدُ رزقًا حلالًا طيِّبًا .

[ قصّةُ طالبِ العلمِ المُتوَرِّعِ ]

قالَ أحدُ المَشايخِ فِي أحَدِ الِاجتِماعاتِ الدَّعوِيّةِ وذكَرَ طالبًا وَرِعًا بمدرسةِ رَيْوِندْ ببَاكِسْتانَ ، لا يأكلُ طعامًا مِن خارجِ المعهدِ أبدًا . وفي وقتٍ خرَجَ هذا الطّالبُ من المعهدِ لحاجةٍ ، فإذَا رَآى النّاسَ رُؤُوسُهمْ مِثْلُ رُؤوسِ الحَيواناتِ . فتَعجَّبَ فدخَلَ فأَتَى المَشايخَ وذكرَ أحوالَ النّاسِ الّذي رَآهُ ، فقالَ المشايخُ : لعلَّكَ تعمَلُ عمَلًا رفَعَ اللهُ قدْرَكَ ؟ فقالَ : إنّي لمْ آكُلْ شيئًا إلَّا مِن هذا المعهدِ . فقالَ المشايخُ : بِسببِ هذا أَعْطاكَ اللهُ كرامةَ الكَشْفِ .

وكتب الخلاصة :

الطالب الحقير عمر عبد العزيز الحسيني

تاريخ إلقاء الموعظة :

يوم الثلاثاء 13 رمضان 1444 هـ 

4 أبريل 2023